هادي جلو مرعي
واحدة تلو الأخرى إنهارت مدن أفغانستان التي تصل الى 34 ولاية وهرب جنود الحكومة، وفر الناس في كل إتجاه طلبا للنجاة بأنفسهم من بلدوزر طالبان الذي إكتسح كل شيء في طريقه حتى وصل الى عاصمة الحكم كابول، وتسلم القصر الرئاسي من مدير القصر الذي عبر عن السعادة لعدم إراقة دماء، وشاركه الرأي الحارس الشخصي للرئيس أشرف غني الذي فضل المغادرة دون مواجهة غير متكافئة، ولتكون حركة الطلاب الأصولية صاحبة الكلمة العليا، فهي في مركز القرار السياسي، والمتحكمة فيه بعد معركة إستمرت لعشرين عاما، وإستنزفت الأموال والأنفس، وإستدعت حضور قوات أجنبية في العام 2001 بعد تفجير برجي التجارة العالميين في نيويورك، وهو الحادث الذي إتهمت به قاعدة بن لادن، وكان على طالبان أن تدفع الثمن لأنها آوت القاعدة، وسهلت مأموريتها في إستهداف الغرب.
سيتحدث الناس عن طالبان، ودور واشنطن الخبيث في عودتها الى كابل، وكأنهم يتحدثون عن قصة أصحاب الكهف، الذين قيل أنهم خمسة سادسهم كلبهم، وستة سابعهم كلبهم، وسيفيضون في الحديث عن فكرة أن طالبان هي صناعة أمريكية، وإن السبب الأساس في الهروب الأمريكي هو التفكير في حجز الصين عن بقية العالم، وقطع طريق الحرير عنها، وكأن أمريكا هي (ذو القرنين) الذي توجه الى مغرب الشمس فوجدها تطلع على عين حمإة، ووجد عندها قوما خائفين من قوم يقال عنهم قوم يأجوج ومأجوج، وبنى بينهم سدا، أو ردما، وهناك من سيقول: إن أمريكا ستعمل على إقلاق إيران وروسيا بأفغانستان التي هي عبارة عن دولة محاصرة بدول عدة، ولاتملك منفذا بحريا، ولامجالا جويا إلا عبر الجيران كحال أرمينيا وبالتالي فهي لن تتنفس آلا بالأوكسجين (الإيراني الروسي الأوزبكي الطاجيكي الباكستاني).
بعد عشرين عاما تتولى طالبان مقاليد الحكم، وتنبري في إرسال إشارات طمأنينة للخارج، وتسمح بمغادرة الخائفين، وتعد البعثات الدبلوماسية بالحماية، وتتعامل مع الخصوم بهدوء، وتقابل مدير القصر الرئاسي بإحترام، وكأنها تعلن كفايتها من عقود الحرب والتشرد والموت، وتفكر بإستراتيجية جديدة لإدارة الصراع، مثلها مثل أمريكا المفعمة بالرعونة، والمتهمة بالذكاء غير المنقطع من المبهورين بها، والراغبين بمجاراتها بالرغم من مشاهدتهم لها وهي تبيع العملاء، وتترسخ هنا فرضية لاتموت مهما طال الزمان بأن المحتل راحل، والشعوب باقية، والأمم المتجاورة يجب أن تتعايش، ولاينبغي الإستقواء بالأجنبي الذي سيبيعك بأبخس ثمن يتلقاه.
بقي أن نقول، إن دولا كإيران وتركيا وقطر مارست لعبة تذليل المصاعب، وترسيخ فكرة الأصولية الإسلامية الغالبة، وهي مستعدة لإحتواء طالبان التي لن تجد مناصا من التعامل بعقلانية وهدوء، والبحث عن سبل التعايش والتواصل، فطالبان التي كانت قبل العام 2001 والعشرين سنة الماضية ليست طالبان 2021 حيث العالم يتغير، وحيث الرغبة جامحة لتأسيس إمارة إسلامية تحقق حلم الخلافة، وأما إقلاق إيران وروسيا فهو أمر ليس حتميا لأن طهران وموسكو تلعبان بمهارة في هذه المنطقة، وأما طريق الحرير الذي تأمل واشنطن قطعه بواسطة كابول فيمكن مده عبر جغرافيا متعددة، ولاننسى أن افغانستان ثاني دولة في العالم من حيث كثافة الجبال، فهي ليست الخيار النهائي لبكين في المضي قدما في طريق الهيمنة.
لاتستعجلوا الحكم والقلق، فهناك المزيد من الإثارة في أمكنة مختلفة من العالم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق