وكالة نبض الشعب/ بقلم / سارة السهيل
يحفل تراثنا الشعبي العربي بالعديد من العادات والتقاليد المتوارثة عبر الاجيال والمستمرة حتى زماننا الحالي رغم طغيان المادية على حياتنا وحداثة الافكار وشكل الحياة الاجتماعية التي تتماس مع حياة الغرب كثيرا !!!
غير ان الطابع الشعبي العربي لمجتمعاتنا لاتزال تحافظ على موروثها وثقافتها الخاصة بالمأكل والمشرب والاحتفال بالمناسبات الدينية والاجتماعية المختلفة.
ولكل مناسبة مظهر اجتماعي وثقافي تعكس طبيعة موائد طعامها ومقصده ، وما يرافقه ذلك من أهازيج غنائية ورقصات شعبية فلكلورية تختص بطبيعة كل مكان في عالمنا العربي .
والسودان احدى دولنا العربية التي تتنوع فيها مظاهر الفلكلور الشعبي تنوعا خصبا بالنظر الي تنوع الاعراق والاديان فيها ، و أغلب قبائل أواسط وشمال السودان تنتمي للثقافة العربية الإسلامية، والتي بدورها تشكل رافدا أساسيا لتجليات العادات اليومية والأعراف والتقاليد الاجتماعية بالسودان.
والثقافة الشعبية السودانية تتواصل في معطياتها مع أصلها الافريقي وثقافتها العربية فتحتفي بالاحياء والاموات على حد سواء ، فهي تغذي الحاضر وتترحم على الماضي وتتواصل معه روحيا ودينيا .
وبهذا المعنى يتجلي الفلكور السوداني عادة " الرحمتات " او ما يعرف ب " عشا الميتين ، وهي مكونة كملتين هما الرحمة تأتي ، هذه العادة لها مقصد ديني وهو التقرب الى الله بالصدقات على روح الاموات في الاسبوع الاخير من رمضان .
وفي العرف الافريقي السوداني ، فان السودانيين يعتقدون ان ارواحهم ممتدة في أرواح الاسلاف ، ويعتقدون من المنظور الاسلامي والافريقي معا ان تقديم عشاء الرحمتات في الاسبوع الاخير من رمضان كصدقة مهمة لأن أرواح الموتى تهبط في هذه الليلة طلباً للرحمة.
وقد عبر العقل الجمعي الشعبي عن هذا التقليد بالعديد من الاغاني والاهازيج التي يشدو بها الاطفال في كورال جماعي ومنها :
تات .. تات الرحمتات أدونا تلات بلحات تين تين … أدونا لحم ميتين .
يحتفي السودانيون بالترحم على امواتهم وتوزيع الصدقات على أرواحهم سواء على مستوى الأسرة أو الحي أو القرية في آخر خميس بشهر رمضان، والذي تليه مباشرة (الجمعة اليتيمة)، وهي آخر الجمع في الشهر المبارك.
والوجبة المعتمدة والشهيرة في (الرحمتات) هي فتة اللحمة والأرز، والتمور المنقوعة في الماء، حيث يقوم الميسورون بذبح الذبائح أو جلب اللحوم من الأسواق وإعداد شوربة في قدور واسعة وطبخ الأرز، ونقع كميات كبيرة من البلح، توزع هذه الوجبة على مرحلتين: نهاراً عند الظهيرة للأطفال، ومساءا إما عند وجبة الإفطار، أو عقب صلاة العشاء للصائمين، وتسمى هذه الوجبة بالحارة. ويتم تقديم ماء التمر في آنية من الفخار، تسمى محلياً بـ القُلل.
يصاحب توزيع طعام الرحمتات طقوسا فلكلورية شعبية أبطالها غالبا من الاطفال الذين يقرعون الآنية لاصدار إيقاعات متناغمة مع ما يرددونه من أغان مثل :
الحارة ما مرقت ست الدوكة ما وقعت قشاية قشاية ست الدوكة نساية كبريتة كبريتة ست الدوكة عفريتة ليمونة ليمونة ست الدوكة مجنونة .
ويقصد بست الدوكة المرأة التي تقوم بتحضير الطعام، حيث يقصد الأطفال المنازل الوفيرة بالطعام ، وعند تأخر تقديم الوجبة للأطفال يصدحون بكل براءة: الحارة ما بردت .. ست الدوكة ما فركت صابونة صابونة ست الدوكة مجنونة أدونا الحارة ولا نفوت ولا نكسر البيوت
ومع اختلاف الاجيال والازمات الاقتصادية التي تمر بها السودان كباقي دولنا العربية، فان الاجيال الجديدة في المدن تكاد تجهل طقس الرحميتات، غير ان سكان الريف لا يزالون محافظين عليها رغم ما يعانونه من فقر.
سر محافظتهم على افطار الرحمتات هو ان هذا اليوم يذكرهم بأقاربهم واهلهم وأصدقائهم الذين فقدوهم ، فيقومون بالدعاء لهم بالرحمة والمغفرة والقبول عند الله تعالي.
وفي يوم الرحمتات ، تدعو الأسر ، طلاب الخلاوي لقراءة القرآن للمرحوم والإكثار من الدعاء له، وتقدم الصدقة للاطفال هدية ورحمة الى روح الموتي مباشرةً، حيث يأتي الاطفال الفريق الى منزل المتوفي لأكل الفتة بالارز والبلح ويشربون الحلو ثم يتفرقون، وعادة تتم عملية تقديم المشروبات والعصائر في (قلة) وهي عبارة عن إناء فخاري يصنع خصيصاً لهذه المناسبة أو في إناء من القرع .
ينتقل الأطفال من بيت الى أخر يطرقون الأبواب فرحين وهم يهتفون ويغنون , ويستعجلون صاحبة الدار أن تأتى لهم بالطعام سريعاً , ويطلقون على هذه الفتة إسم (الحارة) لأنهم يأكلونها وهى ساخنة ويتناولون معها التمر المبلول.
0 التعليقات:
إرسال تعليق